يجمع اغلب الدارسين على ان الفن التشكيلي الفلسطيني، حسب المفهوم والمصطلح
الحديث للفن التشكيلي، لم يظهر الا بعد عام 1948. ذلك ان المفاهيم والقيم
والمعارف السائدة في فلسطين قبل الحرب العالمية الأولى، لم تخرج عن طبيعة
العلاقات الاجتماعية القائمة على الإنتاج الزراعي والمحكومة بواقع قبلي
إقطاعي.فكانت النظرة العامة للفن التشكيلي تقع في دائرة المنع والكراهية
بتأثير من سيطرة فكرة تحريم الدين للتصوير.
اقتصر اشكال التعبير الفني خلال هذه المرحلة على الفنون التطبيقية مثل تزين
السلاح وأدوت الزراعة والتطريز والسيراميك والمصدفات ومجدلات القش والبوص.
وكانت اشكال اخرى تفلت من حصار المنع والكراهية، مثل نقوش حجارة مداخل
البيوت، وبعض التكوينات التي كانت ترسم على المداخل والجدران بمناسبة
العودة من الحج، والزخارف المتكررة المرسومة على جدران غرف بعض أغنياء
الفلاحين، فضلا عن اعمال الخط العربي ورسوم الأيقونات المسيحية وزخرفة
اغلفة الكتب الدينية والمصاحف ( التذهيب).
وفي اعقاب انتهاء الحرب العالمية الاولى بانهيار الامبراطورية العثمانية،
اقتسم الحلفاء الاوروبيون في مؤتمر سان ريمو ( 19- 24 حزيران / يونيو 1920)
التركة العثمانية، وانتدبت بريطانيا لادارة شؤون فلسطين، فشكلت حكومة
الانتداب البريطاني على فلسطين.
عمدت بريطانيا إلى وضع نظامين للتعليم في فلسطين، احدهما للعرب، والثاني
لليهود. وقد اثر جهاز التعليم الحكومي الذي كان يرأسه مدير بريطاني على
النظام التعليمي المخصص للعرب، وأعطى لليهود حق الإشراف الكامل بأنفسهم على
نظامهم بإشراف المجلس الملي اليهودي- قاعاد ليئومي.
تعمدت حكومة الانتداب ان يخلو المنهاج العربي للتعليم من كل ما من شأنه ان
يدعم او يطور الوجدان العربي الفلسطيني. وعلى العكس!! من ذلك سعت المناهج
الصهيونية الى تدعيم وجدان صهيوني مرتبط بفلسطين. وعلى هذا الأساس خلت
المناهج العربية من مساقات
الأعمال الإبداعية ومنها الفن التشكيلي والمسرح والموسيقى والغناء
والمكتبات. وأصبح مفهوم (الثقافة ) مقتصر على التعليم فقط، والذي كان يدور
حول محورين:
1- تأهيل قدرات محلية " متعلمة فقط" رخيصة الأجر قادرة على تنفيذ عمليات
الاستغلال والنهب الاستعمارية لمقدرات البلاد والمنطقة، بدل استقدام العمال
والموظفين ذوي الأجور المرتفعة من بريطانيا.
2- إضفاء عدمية قومية وفراغ ثقافي كامل للعرب الفلسطينيين بحيث يسهل تنفيذ
السياسة الاستعمارية الرامية إلى تحقيق المشروع الصهيوني في فلسطين بإقامة "
وطن قومي لليهود " فيها حسب " وعد بلفور.
وعلى ع!! المناهج العربية اغتنت المناهج الصهيونية بمفاهيم الوطن القومي
واللغة، فكان المسرح، والفن التشكيلي ، والموسيقى والغناء والسينما
والمكتبات وتربية التذوق الجمالي وأدب الأطفال، أهم أدوات الصهيونية من اجل
صهر الثقافات المتعددة للمهاجرين اليهود القادمين إلى البلاد، للوصول بهم
الى ثقافة عبرية لتشكل وجدانا وايديولوجية صهيونية موحدين قادرين على إقامة
الوطن القومي اليهودي .
ولكن ورغم هذا كله، فان تغير أشكال الحياة الإنتاجية، وظهور التجارة وتطور
المدن، وإحلال أنماط غربية في الحياة العربية اليومية، والحضور الأجنبي
المتزايد أوجدت عددا من الفنانين التشكيليين الفلسطينيين، أصبحوا في المسار
التاريخي اللاحق، نواة العمل التشكيلي الفلسطيني وممثلي بداياته.